الأسس النظرية في مناهج البحث الأدبي عند الناقد د. عبد السلام الشاذلي..



حيزية فضة



أمام تدفق المناهج النقدية الحديثة نحو الساحة العربية، وجد المتلقي العربي نفسه امام تحديات صعبة فهناك من النقاد والدارسين من أعلن تبنيه هذه المناهج والنظريات بدون أية معارضة، و هناك من سعى الى تمثلها واعادة انتاجها داخل الخطاب النقدي العربي ، وهناك من عزف عنها وانكب على التراث النقدي البلاغي القديم كرد فعل للتوجه المبالغ فيه نحو منتجات الغرب الاوروبي، وهناك من حاول ان يقيم نوعا من التوازن بين المصدرين الحداثي والقديم  .
ومما لا شك فيه، أن هذه الأسس النظرية لهذه المناهج  في تاريخ النقد العربي تشهد على أن هذا الحقل المعرفي كان ولا يزال من الحقول المعرفية الحيوية القليلة ،لما يعرفه من تحولات تجعله لا يرسى على حقائق مطلقة  ، إنه مجال لطرح التساؤلات ، إنه إثارة للإشكاليات ، وهذا ما جعل الناقد “عبد السلام الشاذلي” يطرح عدة اشكاليات في كتابه “الأسس النظرية في مناهج البحث الادبي العربي الحديث “، وأراد التعرف على المحاولات التي بُذلت في تاريخ الادب الحديث للاستعانة بمناهج العلوم التاريخية و الاجتماعية والنفسية وتطبيقاتها في حقل الدراسات الادبية، وحول العلاقة الجدلية بين هذه العلوم الانسانية والدراسات الأدبية الحديثة.
إن القارئ لكتاب الأسس النظرية في مناهج البحث الأدبي العربي الحديث لن يجد صعوبة في فهم متن الكتاب بل بالعكس يُعد كتاب الأسس النظرية مرجعا لكل ناقد أو باحث أراد أن يتعرف أكثر على تاريخ مناهج البحث الأدبي العربي الحديث .
فوقفت على العنوان اولاً فوجدت أنه يتكون من عدة كلمات مترادفة،  وبشكل أدق  فإنه يتكون من  جملتين  وهما : “الأسس النظرية،  و مناهج البحث الأدبي العربي الحديث ”  فالمقصود “بالأسس “هي  المبادئ الرئيسية والأساسية ،أما  المقصود “بالنظرية” فهي المبادئ الفلسفية أو النفسية أو الإجتماعية وهو ما نراه في دراسته التفصيلية عند العقاد والمنهج المقارن  عند طه حسين أو الاجتماعي عند سلامة موسى ، ويُقصد “بمناهج البحث  الأدبي العربي الحديث” البحث في تاريخ الأدب العربي عموما بمناهج وأفكار حديثة من قبل مجموعة من الباحثين العرب في العصر الحديث .
ولكن ما لاحظته هو أن العنوان يُشير لفكر عربي لديه  مناهج بحث أدبية عربية ، فهل هناك فعلاً أسس نظرية خاصة بمناهج البحث الأدبي العربي ؟
سؤال لم استطع أن أمرَّ عليه مرور الكرام  لذا أردت المعرفة  أكثر حول نشأة وتطور المناهج  أولاً  ،لأستطيع معرفة الإجابة على السؤال الخاص بعنوان الكتاب .
يُعد  أرسطو أول من استخدم منهجًا علميًّا في البحث، واتخذه طريقًا للاستدلال ، حين أوجد الكليات الخمس المعروفة لدينا: الجنس، النوع، الفصل، الخاصة، العرض.
ومما لا شك فيه أن  هذه الكليات لعبت دورًا عظيمًا في دراسة جميع العلوم عند العرب، حيث استفاد منها العرب في مجالات عدة وقد اهتم العرب بالمنطق الأرسطي، منذ أن طرقوا باب التأليف اول مرة، فأخذوا يترجمونه ويشرحونه، ويلخصونه في مؤلفات كثيرة،  التي أدركوا من خلالها أن القياس الأرسطي قياس رياضي، وفهموا ذلك فهمًا عميقًا، ومن خلال إدراك العرب ذلك، تمكنوا من تحقيق نهضة علمية شاملة، تجاوزت حدود العلوم اللغوية والدينية، وحققت ازدهارًا عظيمًا في مجال الدراسات الأدبية ،ومن أهم البحوث الأدبية عند العرب، التي اتضح فيها المنهج الأرسطي، كتاب (البرهان في وجوه البيان)، لابن وهب، الذي نشر باسم (نقد النشر)، ونسب إلى قدامة، فقد عقد المؤلف فيه فصلًا للقياس، تحدث فيه عن الحد والوصف والمقولات، وفصل صور القياس، وصرح أنه نقل الفصل كله عن المناطقة، هذه أمانة علمية ينبغي التنبه لها.
وهكذا استمرَّ العرب بالاستعانة بمنطق أرسطو في بحوثهم الأدبية، وغيرها، وكانت لهم محاولات عديدة للعناية بالجزئيات، والمفردات، واكتمال الاستقراء، وصحة الاستنباط تتسع في الملاحظة اتساعًا شديدًا،  ومع ذلك  ظلوا يحتكمون إلى المنطق الأرسطي، وهذا لم يمنع  انه كانت لهم رؤيتهم الخاصة، وهم يتعاملون مع هذا الفكر، حسبما تقتضيه طبيعة علومهم، وبيئتهم، ظلوا على ذلك حتى ظهر عصر النهضة ، وبدأ بعض الفلاسفة الغربيين يهاجم منطق أرسطو، والسر في ذلك هو الفهم العميق، لما قدمه العرب، فالفكر العربي هو الشرارة، التي انطلق منها البحث العلمي، أو المناهج البحثية عند الغرب، استوعب الغربيون الفكر العربي استيعابًا جيدًا، وبدأ بعض الفلاسفة الغربيين، يهاجموا منطق أرسطو.
وبدأ “ديكارت” يكشف عن منهجه الجديد، وهو منهج يعتمد على البراهين الرياضية، إذ العقل الإنساني في جوهره يكون وحدة، وما دام هذا العقل يسلم بقوانين الرياضة، فلابد أن تكون قوانينه عامة، تشمل الرياضة والطبيعة معًا،، هذه هي وجهة نظر ديكارت، وهو يؤصل لمنهج موحد، يشمل العلوم جميعها رياضية وطبيعية، ويرى أنه لكي نقف على المنهج القويم، لهذا العقل في البحث العلمي، ينبغي أن نعتمد على القياس. لكن هو لا يقصد بطبع قياس أرسطو، بل نحلل نحن القياس، فنراه يبتدئ بأشياء بسيطة يسلم بها العقل، وهي البديهيات وينتهي إلى أشياء مركبة، وقد رأى ديكارت أن يضع مكان قواعد المنطق الأرسطي القديم، الشديدة التعقيد من وجهة نظره في قواعد أربعة، يمكن أن نجملها فيما يلي:
القاعدة الأولى: التوثيق، وهي تفرض على الباحث ألا يسلم بشيء، إلا إذا بدى بديهي في نظر العقل.
القاعدة الثانية: التحليل وهي تفرض على الباحث، أن يقسم كل مشكلة، يتناولها بالبحث إلى أكبر عدد ممكن من الأجزاء، التي يمكن أن تدرك بالحدث المباشر.
القاعدة الثالثة: التركيب وهي تفرض على الباحث، أن يعيد ترتيب  ما سبق أن حلله من مشكلة، أو من العناصر التي حلل المشكلة إليها، مراعيًا التسلسل المنطقي في ترتيب هذه العناصر.
القاعدة الرابعة: المراجعة النهائية، وفيها يقوم الباحث في النهاية بإحصاء دقيق، ومراجعة تامة شاملة لكل جوانب المشكلة، وتفصيلاتها المختلفة، لا ينتهي عند هذا الحد، إنما التوثيق .
كما أسفرت هذه الثورة أيضًا، عن ظهور ثلاثة مناهج أساسية: المنهج الاستقرائي، والمنهج الاستدلالي، والمنهج الاستردادي.(1)
ومع  بداية القرن التاسع عشر، شهد الشرق العربي تتطورًا ملحوظًا في شتى مجالات الحياة: السياسية، والاجتماعية، والأدبية، والفكرية بوجه عام   وهذا ما تحدث عنه  الناقد “عبد السلام الشاذلي “في  الباب الأول من الكتاب المعنون ب: تكوين الفكر العربي الحديث،  إذ قوي اتصال الشرق بالغرب، وازدهرت الحركة العلمية والفكرية، وتعمقت الصلة بين الأدب والعلوم الأخرى، وهو ما نراه  في ما درسه الباحث  عن الطنطاوي والطهطاوي  وبداية الاتصال بالفكر الأوروبي، ولقد أزال الناقد بهذا  اللثام عن تلك الفترة وتعمق في البحث فيها  ليسلط الضوء على تاريخ الفكر العربي الحديث، كيف بدأ وكيف أُستقبلت تلك المناهج والتي تبين لنا عند  مناقشتنا للعنوان بأنها ليست وليدة تلك الفترة ، بل تمتد جذورها إلى العهد اليوناني مع فيلسوف  المنطق (ارسطو) وما عرفناه أيضا  بأن الفكر العربي كان  له الدور الأكبر في النهضة التي عرفها الغرب و هذا ما يُقرُّ به كثيرٌ من المؤرخين الغربيين المنصفين بأن الحضارة الغربية قامت على دعائم الحضارة الاسلامية في القرون الوسطى وهو  ما أكد عليه الناقد في كتابه الأسس النظرية .
وبدايةً يجب أن نتفق  بأنه لا يوجد نقد بدون فكر، ولا يوجد فكر بدون نقد الأمر الذي  لاحظته  أن الناقد بدأ كتابه بإلقاء نظرة شمولية حول كل الجوانب الحياتية للوطن العربي إبان  الفترة الاخيرة من القرون الوسطى فألقى الضوء على الجانب السياسي والاجتماعي والادبي والفكري الذي تبلور آنذاك، إذ يؤكد بأن ظهور الفكر العربي الحديث السياسي والاجتماعي والثقافي بمصر -تحديدا-  يرتبط بالظروف التاريخية ، ويرى أيضا بان جنين الفكر العربي الحديث  بمصر  يكمن في أحشاء المرحلة الاخيرة من القرون الوسطى ، أي قبل اتصال العرب بالغرب وقبل مجيء حملة نابليون بونابرت لمصر بربع قرن تقريبا ، وهذا ما يتفق مع ما ناقشته من خلال عنوان الكتاب الذي اثار تساؤلاً لم أكن لأفهم ما كان يرمي إليه الناقد “عبد السلام الشاذلي” لو لم اغص أكثر في تاريخ نشأة وتطور المناهج ، لأصل الى أن العرب هم الشرارة الاولى التي استفزت الفلاسفة الغربيين الى اعادة النظر في المنطق الارسطي  والهجوم عليه أمثال: (فرانسيس بيكون و ديكارت)، وبهذا نجد  ان العرب استقبلوا قديما “المنهج الارسطي ” واستفادوا منه ضمن  رؤيتهم الخاصة وتعاملوا مع هذا الفكر حسبما تقتضيه طبيعة علومهم وبيئتهم.
وبعد اعادة  نسخ كتاب الأسس النظرية  غيَّر الناقد  عنوان الكتاب من :”الأسس النظرية في مناهج البحث الادبي العربي الحديث” الى: ” الأسس النظرية في تاريخ الادب  العربي”  وأرى بأن العنوان الأخير كان اقرب إلى ما عرفه تاريخ الادب العربي  من تطور في هذه المناهج.
ونعود الآن بعد مناقشة العنوان الذي اثار العديد من التساؤلات ، إلى  موضوع كتاب 😦 الأسس النظرية في مناهج البحث الادبي العربي الحديث )، إذ لا يبتعد كثيرا على عنوانه ، فهو دراسة  نقدية فكرية تعتمد على أسس نظرية أي فكرية ، مستعينة بما وصلت إليه العلوم الإنسانية المختلفة ، كعلم النفس ،وعلم الاجتماع، والتاريخ الثقافي المقارن. وهو ما نراه بجلاء  في الابواب الخاصة في المنهج النفسي عند العقاد، والمنهج التاريخي المقارن عند طه حسين ،والمنهج الاجتماعي عند سلامة موسى، بالإضافة إلى مقدمة وافية عن تطور الفكر العربي الحديث في القرن19 بمراحله المختلفة ابتداءً من المرحلة التي تُعرف باسم المرحلة الليبرالية ويمثلها فكر “رفاعة رافع الطهطاوي”، ثم مرحلة الاصلاح الديني ويمثلها العلامة “جمال الدين الافغاني “،والشيخ “محمد عبده” بمصر، ثم  المرحلة العلمية التجريبية التي حاولت إن تُطبق مناهج العلوم المادية على العلوم الإنسانية كما يمثلها ما يعرف باسم المفكرين المهاجرين الشوام ،الذين نزحوا من بيروت بعد المذبحة الطائفية عام 1860 م الى مصر من أمثال  يعقوب صروف ، وجرجي زيدان، ثم يرتكز هذا الكتاب على الأخذ بعين الاعتبار الجدل القائم ما بين التراث العربي الاسلامي ،وشتى دروب التطورات الحديثة في دراسة الأداب عامة. ويمثل الباب الذي عُنون بعنوان بعث المناهج التقليدية عند كل من الشيخ حسين المرصفي ،و مصطفى صادق الرافعي، وجرجي زيدان خير تمثيل لما سماه المؤلف بالصراع بين القديم والجديد في نشأة واستقرار المناهج الحديثة خاصة المنهج النفسي عند العقاد وماتلاه من بحوث في هذا المجال كما نرى عند الناقدين “محمد النويهي” بكتابه 😦 نفسية ابي نواس)، او عند الناقد “عز الدين اسماعيل” بكتابه الشهير : (التفسير النفسي للأدب)، كما تطورت  المناهج التاريخية المقارنة التي اسسها “طه حسين” بكثير من الدراسات اللاحقة وخاصة عند الدكتور محمد غنيمي هلال في كتابيه: ( الادب المقارن والنقد الادبي الحديث) كما كان ل”طه حسين” اكبر الاثر في الدراسات الادبية اللاحقة،و كما نجده في ابحاث العلامة تلميذه “شوقي ضيف”او تلميذه الدكتور “عبد القادر القط” وغيرهم من الباحثين العرب المعاصرين ،اما المنهج الاجتماعي  الذي أسس له المفكر والباحث سلامة موسى والذي عرض له الباحث عبد السلام الشاذلي عرضا مفصلا ، فقد وجد له امتدادا ببحوث كثيرة اخرى كما نجده في النقد الاجتماعي عند “محمد مندور” او النقد الاجتماعي عند الدكتور “غالي شكري” في كثير من دراسته الاجتماعية السيسولوجية في الادب الحديث خاصة عند “نجيب محفوظ” ،او كما نجد من دراسات للناقد المغربي “محمد برادة “تتبع نفس المنهج الاجتماعي المتطور.
بعد قراءتي لموضوع الكتاب وخاصة ما يتعلق بالفصل المعنون ب : بعث المناهج التقليدية  عند كل من حسين المرصفي و مصطفى صادق الرافعي وجرجي زيدان ،  توصلت إلى أن  الرواد الذين بعثوا المناهج التقليدية وأحيوها من جديد ،لم يكن همهم  الوحيد إعادة بعثها -فقط- بل تجاوزوه الى محاولة  إعطاء  تصورات جديدة لكل ما تناوله أصحاب هذه المناهج التقليدية وتجديدها لما يتلاءم و قضايا العصر آنذاك،  وهذا  لم يظهر بوضوح  للقارئ السطحي  لهؤلاء العمالقة  ولكنه يتجلى لكل باحث يتعمق في دراسته لهم ، فنجد  أن المرصفي قد  أعاد النظرية الأدبية  نتاجا لفهمه لابن خلدون، بينما  مصطفى صادق الرافعي كان عودة لمفهوم عبد القاهر الجرجاني في نظرية النظم ، وتوسعه في نظرية الانتحال بمعنى الشك في كثير من الشعر المنسوب إلى الجاهليين، وكان فهم جرجي زيدان للتاريخ فهما تقليديا خالصا ،فهو  لم يمارس نظرية الشك التي كانت متحكمة كثيرا في تاريخ الأدب العربي ،فهو يعتقد بصحة كل ما روي عن حياة العرب قبل الإسلام من أنساب ورواية وآداب حوّل إمكانية دراسة الفنون الأدبية كموضوعات مستقلة.
يمثل هؤلاء العمالقة الثلاثة الجسر الذي يربط ما بين المناهج الحديثة والقديمة لانهم ربطوا الشاطئين  ولولا حسين المرصفي لما كان طه حسين ، وكل هذا يصب في عنوان الكتاب الذي يتحدث عن الاسس النظرية لمناهج البحث الأدبي العربي الحديث.
ومن الواضح أن كتاب” الأسس النظرية في مناهج البحث الادبي العربي الحديث” هو نهاية طريق وبداية طريق آخر ،نهاية طريق بمعنى أنه كان نتاجا او محصلة لقراءات شتى حصّلها ربما في فتره مبكرة من عمره نظرا لنشأته في بيت لعالم ازهري جليل ، وكان قد اخبرني في حوار لي معه يوم 2/04 / 2024م ،” (2) انه كانت المكتبة في بيته أهم معالم الحياة في جوانبها المقدسة والممتعة معا، وأنه كان يقلب فيها كثيرا بدوافع شتى من اهمها، تلبية رغبة السيد الوالد بأن يحضّر له ما يريد قراءته ،وان يحوز على رضاه “، وسرعان ما تحولت هذه الرغبة في نيل عطف الأب الى رغبة معرفية، فما يُحبه الأب ويرغب فيه من تفسير ونحو، وكثيرا ما كان يحضر مناقشاته مع اصدقائه ،و اغلبها يدور حول دور الشيخ “محمد عبده”، و”جمال الدين الافغاني” في تطوير وفهم الحياة الروحية ،وعندما التحق بالجامعة، كان صوت “طه حسين ” هو اعلى الاصوات واعمقها تأثيرا في عقول اساتذته وفي عقول الشباب الذين التحقوا بقسم اللغة العربية وآدابها بالقاهرة، وأكد لي بانه حاول ان يجمع بين هموم الوالد والهموم الفكرية عند “طه حسين”، فكانت بؤرة الالتقاء هي اهتمام الوالد بالشيخ “محمد عبده “،وتحول هذا الاهتمام “بمقدمة ابن خلدون” التي نالت ايضا اهتماما بالغا من طه حسين هذه البؤرة الفكرية التي وُلدت فيها فكرة هذا الكتاب، اي أنه كتب كتابا يتناول الاتجاهات المختلفة، للنقد والفكر العربي المعاصر، فكان هذا الكتاب الذي كان من المستحيل  ان يمضي فيه -الناقد عبد السلام الشاذلي -قدما لدراسة الفكر النقدي في مرحلة بعث المناهج التقليدية في تاريخ الادب العربي ،عند رواده الكبار من امثال الشيخ حسين المرصفي او مصطفى صادق الرافعي وجرجي زيدان دون الالمام بحالة اللغة العربية في القرن التاسع عشر، فكان الباب الأول وهو تطور الفكر العربي الحديث ،السُلم الذي صعد به الى دراسة المناهج النقدية والأدبية عند الرواد الكبار الذين تعمقت صلتهم بالثقافة الأوروبية الحديثة، وقد سبقهم في ذلك الكاتب و المؤرخ والروائي “جرجي زيدان”، وربما كانت في كتابته اكبر الأثر في نهضته من الرواد الآخرين ،أمثال الرافعي ،وسلامة موسى، والعقاد . إذاً ،هذه  هي البوتقة الفكرية التي انصهرت فيها هذه الدراسة التي أطلق عليها الناقد عبد السلام الشاذلي  إسم: “الأسس النظرية في مناهج البحث الادبي العربي الحديث.”(3)
وكأي دراسة  واجه الدكتور عبد السلام الشاذلي أثناء  تحضيره لكتاب الأسس النظرية عدة عقبات وأهمها الحفر والبحث عن الجذور للفكر العربي المعاصر، واحترام الاطار الثقافي العام لكل ناقد درسه فكان  لابد  له من الإلمام بمجمل اعمال الشخصيات الأدبية التي تناولها فلم  يكتفي بكتاب او كتابين ومن المعروف ان هؤلاء الرواد كانوا ذو فكر موسوعي تتعدد كتاباتهم و تتنوع فمن الصعب ان نحكم على منهج اي واحد منهم من كتاب او كتابين فكان حتما عليه أن يدرس ويبحث ويغربل جلَّ كتاباتهم  فجورجي زيدان -مثلا- له العديد من الموسوعات وكذلك الرافعي وكذلك المرصفي الذي يمثل كتابه الأساسي الوسيلة موسوعة ثقافية ضخمة شمل جميع فروع اللغة العربية صرفا ،ونحوا، واشتقاقا وبلاغة من علم المعاني ،والبيان، والبديع، وثم العروض ،وثم تاريخ الادب العربي منذ الجاهلية ،حتى عصره حيث نجد فيه تفصيلا عن رائد النهضة البارودي.
إن الناقد عبد السلام الشاذلي  يؤكد بأنه لا نستطيع أن  نفهم فهما ً حقيقياً  كل هذه المحاولات التي بُذلت في تاريخ الأدب العربي الحديث، للاستعانة بمناهج العلوم التاريخية والاجتماعية والنفسية وتطبيقاتها في حقل الدراسات الأدبية ،دون أن نعرف الفترة التي سبقت هذا الاحتكاك بالغرب، وتبين لنا بعد الدراسة  والبحث أن الفكر العربي الحديث كان له الفضل في النهضة الأدبية الحديثة عند الغرب ، بسبب  فهم العرب العميق  لكل  المناهج التي تعرفوا عليها قديما ،فكانت محاكاتهم للمنهج  الأرسطي محاكاة عقلية عرفت كيف تستغل هذه المناهج ضمن خصوصية البيئة العربية فما أكدَّ عليه الناقد “عبد السلام الشاذلي” في  الجزء الأول من كتابه، بأن جنين الفكر العربي كان يكمن في أحشاء المرحلة الأخيرة من القرون الوسطى ، هو نفسه ما يتفق عليه جلُّ الباحثين العرب والمؤرخين الغرب المنصفين معاً.



الهوامش:

https://www.univ-constantine2.dz/CoursOnLine/tarek-massaoudi/new%20-%20Copie/e%20learning_files/Page352.htmالعنوان  ، نشأة وتطور المناهج ،25/04/2024م ،14:25م .
حواري خاص مع الناقد عبد السلام الشاذلي ،2/04 / 2024م ،الساعة 21:00 م.
الأسس النظرية في مناهج البحث الادبي العربي الحديث ،عبدالسلام الشاذلي ،دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت لبنان ،ط 1 ،1989م.

أضف تعليق

موقع ويب مدعوم بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑