ماريو بارغاس يوسا في بغداد..


حسين علي يونس

بعد أيام من انهيار النظام كنت أتمشى في شارع المتنبي، كان الناس قد بدأوا يخرجون من منازلهم في محاولة لاكتشاف ما تغير في ما تركوه ساكنا.
كانت وسائل النقل شحيحة والشوارع تكاد ان تكون فارغة إلا من بضعة متجولين وسط البنايات المحترقة والخرائب التي كرستها قنابل الحلفاء ونتيجة لقوة القصـف الـذي تمركز على ثكنات الحرس الجمهوري.
هنـاك في ذاك الشـارع وجدت شخصا طويل القامـة ازرق العينين وينظـر عبر الضباب والدخان إلى كـتـاب وجـده معروضا على اسفلت شـارع المتنبي. كان عنوان الكتـاب (اعـتـرف انـني قد عشـت). شدته صورة بابلو نيرودا وسحنته المتجهمة المرسومة على غلافه وبما انني لم أكمل غير المرحلة الابتدائية ولم أفكـر في اي  يوم من ايام حياتي التي كانت تتأرجح على حبل الهاوية بتعلم بضعة جمل إنكليزية تفيدنـي في هكذا موقف، اقتربت من الرجل الآخر الذي كان قريبا مـن ذلك الرجل الرشيق طويل القامة، وقلت له: هل هو يوسا؟ تبسم الرجل الذي اتضح فيما بعد انه كان رفيقه في تلك الرحلة ومترجمه، وقال ضاحكا: كيف عرفته؟ قلت له: قرأت له عدة روايات وشاهدت صوره مرارا وتكرارا. يوسا طبعـا كان ينظـر الينـا وتبادل بضعة كلمات في لغته مع الرجل الذي كان مترجمـه قال له ان صديقنا الشاب قد تعرف عليك رغم ان لا اخبار تقول ان يوسـا في بغداد، فالكهرباء ووسائل الاعلام كانت صفرية والصحف كانت تنام في يد الغيب ولا وجود لها، ولا أعرف كيف حدث هذا.
قلـت للمترجم ارجو ان تنقل اعجابي الى يوسا الذي احببته كثيرا منـذ ان قرأت له روايتيه، البيت الأخضر ورسائل دون ريغو. استغرب يوسا وأراد ان يعرف إن كانت كتبه موجودة فعلا في هذا التنور وأن ثمة عراقيين كثر يقرؤونهـا. أخبرته انها موجودة رغم شحتها بسبب الحصار. افرحه ذلك وفي لحظة مرح صافحني وطوى يده اليسرى على راسي وخنقني ربما لا تكون هذه عادة أوروبية في التعبير عن التعاطف ولكنها بالتأكيد عادة امريكية لاتينية، ومن موروثنا الشرقي ايضا. قال يوسا: ما اسمك ومـاعملك؟ قلت لـه بخجل: حسين علي يونس، اكتب الشعر وقد نشرت عدة كراريس بطريقة الاستنساخ. قال هل لديك شيء منها؟ قلت كنت اتمنى ان امنحك نسخا منهـا ولم يكن معي غير بضعة قصائد على ورق اسمـر قلـت لـه انـهـا قصائد كتبتها قبل فترة. واعطيتها له. مد يده إلى القصائد وقال: اشكرك، كنت أتمنى ان احمـل معي نسـخـا مـن كتبي لأهديها اليـك او إلى الاصدقاء هنا ولكن لم يخبرني احد ان لـي قراء في هذا البلد المحترق. سـرنا بضعة امتار مـع بعض وعنـد نهاية شارع الجمهورية افترقنا. كان ذلك هو يوسـا الـذي هبط علينا كملاك في شارع المتنبي وبعد ساعات قليلة  من مغادرته تجمعت غيوم رمادية فوقنا وكنست خطواته الضائعة.

أضف تعليق

موقع ويب مدعوم بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑