رقوج: رؤية سريالية في قلب الريف التونسي..

شوقي الأجنف



من قلب الريف التونسي، يُطل علينا مسلسل “رقوج” للمخرج عبد الحميد بوشناق، في رحلة درامية خفيفة تجسد تفاعلات الحياة الاجتماعية بأسلوب يحاكي رؤية المخرج الصربي أمير كوستوريكا السريالية والطبيعية. يعتبر هذا العمل إضافة قيمة للساحة الدرامية التونسية، مقدمًا بصمة فريدة في السرد القصصي والتصوير الفني.

القصّة و تحدّي البساطة
رقوج” يعكس ببساطته قصص وتفاعلات سكان قرية صغيرة، محاولًا اختزال المجتمع التونسي في مرآة رمزية للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية و حتى الإدارية. هذه البساطة، المغلفة بالرمزية، تقدم نافذة على التحديات و أيضا الجماليات اليومية التي اقتربت جدّا من شخصية الفرد/المشاهد و تفاعلاته في الواقع.

الابتكار البصري والسردي
من أبرز ميزات “رقوج” تقديمه لصورة مختلفة عن الإنتاجات التونسية الأخرى في الدراما، سواء من ناحية الصورة أو طريقة بناء القصة. هذا النهج التجريبي يفتح الباب أمام أبعاد جديدة في التعبير الفني ويوفر مساحة أوسع للممثلين لاستكشاف أدوارهم في بيئة تشبه المسرح المتنقل بين المشاهد التي تتخلّلها الموسيقى بحضورها البصري القوي، تعزز من الطابع الكرنفالي للمسلسل، مما يضيف طبقة أخرى من الغنى الفني.

الرمزية والمعنى
الرمزية في “رقوج” تتجلى في الحوار، الأكسسوارات، والديكور، بما يعكس الثنائيات الحياتية والاجتماعية بعمق ودقة، مما يثري “إلى حدّ ما” النسيج القصصي للمسلسل ومساهما في تغطية بعض الهنّات و الهفوات على مستوى الكتابة.

التحديات في الكتابة والأداء
رغم جمالياته، واجه “رقوج” تحديات، خصوصًا على مستوى الكتابة والحوار، حيث أن بساطة القصة قد ذهبت أحيانًا الى حدود التسطيح والسذاجة،
وتأرجحت الرمزية كثيرا بين التعبير العميق والمباشرة المفرطة، ما يضع ضغطًا إضافيًا على الممثلين الذين يتطلب منهم جهدًا مضاعفًا لتقديم أداء مقنع، خاصة وأن الكثير منهم يفتقر إلى الخبرة الكافية لتعويض ذلك النقص. يُلاحظ أن هناك حاجة ماسة لمساهمة أكبر من المخرج في إدارة الممثلين، لكبح جماح الأداء المبالغ فيه أحيانًا أو لإثراء أداء هزيل للممثلين الهواة.

الإفراط في استخدام الكليشيهات
الحضور اللافت للكليشيهات المعتادة في رسم معالم الشخصيات و الحوار، مثل تصوير الشخصية الريفية بطريقة ساذجة ومبالغ فيها، يقلل من الواقعية والعمق في تصوير الشخصيات ويجعلها أقل إقناعًا. من قبيل اللجوء الى الصراخ المبالغ في المناداة أو مخارج حروف بعينها و مفردات تدلّ على عدم المام بخريطة اللهجات .

الصورة
المبالغة في التصحيح اللوني “COLOR GRADING” أثرت سلبًا على الجودة البصرية للمسلسل، مما جعل بعض العناصر البصرية الرئيسية، مثل الأبيض، تبدو غير طبيعية بسبب مسحة زرقاء غالبة، مؤثرة بذلك على الواقعية والجاذبية البصرية للعمل, ممّا أثّر على عناصر محورية كالعينين و الأسنان.
اعتماد عدسات ذات بعد بؤري قصير “wide angle lenses” لاضفاء مسحة سريالية على المشهد يتطلّب تنسيقا أكبر مع مدير التصوير أثناء التصوير في رسم “الركح” و تفاصيله.. و عملا أكبر من طرف “التجميل” في المشاهد المقرّبة للوجوه.

في النهاية، “رقوج” يعد إضافة ثرية للمشهد التلفزيوني التونسي، يعكس التجارب الحياتية بأسلوب فريد يمزج بين الواقعية والسريالية. يترك المسلسل بصمته من خلال تحدي النمط المتعارف عليه و القواعد الكلاسيكية .يمكن اعتبار هذا المسلسل في مجمله تجربة ناجحة أخرى لعبد الحميد و فريقه غير انها ليست بمستوى نجاح النوبة مثلا. و لكن ما يجب الاشادة به هو أن مثل هذه الأعمال تمثّل على الأقل حقل تجارب لاطلاق و اكتشاف بعض المواهب الجديدة أو الدفينة. سواء على مستوى الممثلين أو التقنيين و هي تجربة يمكن البناء عليها و المراكمة لتحقيق العمل المتكامل المنشود الذي قد يخرج يوما من عباءة المحلّية.

أضف تعليق

موقع ويب مدعوم بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑