الإبداع والنضال في مسيرة الكاتب محمد عبد الولي..

عواطف محجوب


مثل الإصلاح الاجتماعي موضوعا أساسيا في كتابات الأديب اليمني محمد عبد الولي. حيث تفرعت مواضيعه داخل النسيج القصصي، إذ تناول قضايا صراع الطبقات البرجوازية والفقيرة واستغلال الفلاحين والعمال، أيضا هيمنة السلطة وما تمارسه من قمع وعنف مع غياب تام للديمقراطية. هذا التناول يكشف لنا التوجه الاشتراكي الذي ينتهجه الكاتب والذي يحمل هاجس بناء المجتمع وتكريس مبادئ الحرية والمساواة. فكل كتاباته محملة بهموم الناس البسطاء ووصف معاناتهم وقهرهم من سلطة جائرة رأسمالية تبتلع جهودهم بلا رحمة.
لم تكن الوقائع التي يكتبها محمد عبد الولي في قصصه ورواياته خيالا محضا، بل مثل مجتمعه المحلي مرجعية خصبة ينقل منها وقائع كثيرة، كل أبطالها أنهكهم الظلم والتهميش. بذلك يصح تصنيف إبداع الكاتب محمد عبد الولي ضمن مدرسة الواقعية الاشتراكية باعتبارها الجناح الأدبي المعبر عن الفكر الماركسي المنحاز للطبقة المهمشة والمطحونة في عالم تسيطر عليه الرأسمالية ولا تتردد في سحق العمال والبسطاء. إن تناول الواقع المعيش لهذه الطبقة بكل صراعاتها ومتناقضاتها إنما هو من أجل بث الوعي بين جماهير الكادحين والتحسيس بضرورة التغيير نحو الأفضل من أجل ضمان مستقبل الأجيال القادمة. وبالرغم من أن محمد عبد الولي انخرط في فكر إنساني توسع إلى العالمية، فإنه حافظ على تلك الخصوصية المحلية التي طبعت هويته اليمنية العربية الإسلامية. إذ انطلق من مجتمعه المحلي الضيق الذي تحكمه عادات وتقاليد صارمة وسلطة جائرة في رحلة نضال وتغيير طويلة. يقول في قصة شيء اسمه الحنين: “المنازل عالية فوق القمم، الإنسان هنا نسر يحلق عاليا، لكنه يحيا حياة القاع، كأنه يترجم مقولة ماركس: “القيم المتزايدة لعالم الأشياء تسير جنبا إلى جنب مع زيادة تدهور عالم الإنسان.” لذلك يجب النهوض من هذا القاع ومغادرته، الشعب اليمني يستحق الأفضل، يستحق أن يحيا بكرامة.
من خلال الملمح الاشتراكي نستخلص عدة مناح تميز بها الطرح القصصي عند محمد عبد الولي:
1/ منحى تاريخي: حيث وثق الكاتب لأهم المراحل  التاريخية التي عاشها اليمن في عصره، حكم الإمام يحي حميد الدين، الاستعمار البريطاني ثم ثورة 14 أكتوبر 1962 وقيام الجمهورية على أنقاض المملكة المتوكلية.
2/ منحى فكري ثوري يتبنى تيار إيديولوجي انتشر في العالم يكرس المساواة والعدالة الاجتماعية من أجل إنصاف فئات هشة مهمشة والسعي لتطبيقه في المجتمع المحلي عبر سلسلة لا متناهية من النضالات.
3/ منحى إنساني: حيث أن الكاتب انحاز  للإنسان الحالم بالتغيير. ودافع عن الضعفاء، ودعا إلى تحرير الشعب اليمني المطحون تحت رحى المهانة والظلم والاستبداد والذي ينسحب على كل الشعوب التي ترزح تحت وطأة الاستغلال والاستعمار.
إن الواقعية الاشتراكية تتناول القضايا دون تجزئة أو اقتطاع، حيث تنقل الصورة حية كما هي بكل  تفاعلاتها وتناقضاتها. فهل تتطابق أفكار المؤلف محمد عبد الولي مع سيرته الذاتية؟
بعد اطلاعي على سيرة حياة الكاتب محمد عبد الولي لاحظت فيها العديد من المحطات: حيث أن والده كان أحد عناصر حركة الأحرار اليمنيين، وهاجر بعائلته هربا من بطش الإمام يحي حميد الدين. بعد أن عاد محمد عبد الولي إلى اليمن، سافر إلى مصر وهناك شارك في تأسيس رابطة الطلبة اليمنيين، ليغادرها بعد أن طرد منها عام 1959 بتهمة الانتماء إلى الشيوعية. بعدها سافر إلى موسكو حيث تشبع بالفكر الشيوعي ليعود بعدها إلى اليمن وينخرط في النضال والثورة، علما أنه دخل السجن مرتين كسجين سياسي في 1968 و1972.
إذا محمد  عبد الولي له سيرة نضالية تضاهي سيرته الإبداعية، فهو يعتبر مثقفا عضويا فاعلا ومساهما في أحداث تاريخ اليمن المعاصر. وما الكتابة عنده سوى وسيلة مواجهة ونضال بسبب وجوده المباشر في قلب المعمعة  التي يخوضها المجتمع اليمني.
قوة الانتماء للأرض والوطن كانت دافعا لخوض مغامرة التغيير من داخل اليمن لا من خارجه، وتطبيق مبادئه التي تعلي من شأن الإنسان، إذ لم يكن مجرد منظر بل مساهم  في التغيير والبناء. ولعب دورا تنويريا قام على بث الوعي ونقد المظاهر السلبية في مجتمعه وفضح الأنظمة والرأسمالية التي تستغل الشعب وتستعبده.

أضف تعليق

موقع ويب مدعوم بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑